قوائم الإرهاب الأمريكية ورموز الشرف
الفلسطينية
بقلم د. مصطفى يوسف
اللداوي
يبدو أن الإدارة
الأمريكية تحرص من وقتٍ لآخر على أن تذكرنا بأبطالنا ورموز مقاومتنا، وأن تعيد
بقوائمها
التي تسميها سوداء وتصفها بالإرهاب، الألق والبريق إلى رموزنا المقاومة، وأبطالنا الشجعان، ورجالنا
الأماجد الكرام، وقادة صفوفنا الأوائل، القابضين على جمر المقاومة، والثابتين
على حق الوطن، والمتمسكين بثوابت شعبهم وحقوق أهلهم، والرافضين لخيارات الاستسلام
وعروض التسوية والسلام، والصامدين أمام محادل التهديد وأساطين الوعيد، وكأنها
بقرارها المتجدد تنفض عنهم غبار المعارك، وما علق على أجسادهم من أوضار المواجهة
وآلام التحدي والصدام، وتقدمهم إلى الشعب والأمة من جديد، بثوبهم الوطني الجميل
القشيب، أنهم يستحقون قيادتكم، ويستأهلون مكانتهم، ويحق لكم أن تتمسكوا بهم وأن
تحرصوا عليهم، وأن تدافعوا عن قضيتهم، وألا تتأخروا عن نصرة ما يقاتلون من أجله،
ويضحون في سبيله.
فهم الذين ضحوا بالكثير
ليستحقوا هذه الصفة، وتخلوا عن المغريات ليندرج اسمهم ضمن هذه القوائم، وفرطوا
بأنفسهم وأسرهم وعائلاتهم ومتع الدنيا وبريق السلطة اللامع، واكتفوا بالعيش في
الأنفاق تحت الأرض، أو خلف الكواليس بعيداً عن الأنظار، ليصبحوا بعد حينٍ ضمن
كوكبةٍ من الرجال المطلوبين لمحاكم الظلم الدولية، والمدرجة أسماؤهم ضمن قوائم
البغي الأمريكية والعدوان الغربية، لأنهم انتصروا لقضيتهم، وثاروا على ظالمهم، وأصروا
على مواجهة عدوهم وتحدي صلفه وهزيمة كبريائه، وصمموا على نيل حريتهم، وتحقيق
استقلال بلادهم وكرامة شعبهم، أياً كان ثمن الحرية وضريبة الكرامة والاستقلال.
تعتقد الولايات المتحدة
الأمريكية ومعها دولٌ أوروبية تابعة وأخرى مقلدة، أنها بهذا الإجراء إنما تفض
الشعب الفلسطيني من حول من أدرجتهم ضمن قوائمها، وصنفتهم إرهابيين وفق معاييرها، وأنها
تبعد الناس عن طريقهم، وتعزلهم عن محيطهم، وتجعلهم وباءً يفر شعبهم من أمامهم،
ويخشى مواطنوهم الاقتراب منهم، أو التأسي بهم والتعلم منهم، أو أنها تدفع الشعوب
العربية والإسلامية للتخلي عنهم، والتضييق عليهم، والتعاون معها في القبض عليهم
واعتقالهم، وتسليمهم لها لمعاقبتهم ومحاكمتهم، ولعلها تأمل من قراراتها المعممة
وتوجيهاتها الملزمة أحياناً، الضغط على قوى المقاومة الفلسطينية عموماً والتضييق
عليهم، ومحاربتهم وتجفيف منابعهم وفرض الحصار عليهم، تمهيداً لقبولهم بما تريد،
ونزولهم عند ما ترى.
تدرك الإدارة الأمريكية
وغيرها من الدول المارقة مثلها والمتعاونة معها، أن هؤلاء القادة ليس عندهم ما
يخافون عليه أو يخشون من ضياعه، فلا حساباتٍ بنكيةٍ لهم في بنوكهم الوطنية فضلاً
عن بنوك الولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا ودول أوروبا الغربية، فهم يعيشون تحت
الحصار في الأرض الفلسطينية المقدسة، ولا يسافرون ولا يغادرون، ولا يخرجون منها إلى
غيرها ولا يتفسحون في سواها، فدول الجوار لا تستقبلهم، والعدو يتربص بهم ولا يسمح
لهم بالسفر والمغادرة، فهو إما يعتقلهم أو يغتالهم، أو يبقيهم تحت الحصار وقيود
الإقامة الجبرية العامة التي تكاد تشمل الشعب كله.
أولئك القادة الذين تدرج
الإدارة الأمريكية أسماءهم يعرفون أن معركتهم مع العدو قائمة ومفتوحة، وهو يتابعهم
ويراقبهم، ويعرف أخبارهم والكثير من أسرارهم، ولهذا فهو أكثر من يعرف أنهم لا
يملكون من الأدوات التي تستغلها الولايات المتحدة الأمريكية في عقابهم أو للضغط
عليهم شيئاً، فلا أموال في البنوك يدخرونها، ولا طائراتٍ يستقلونها ورحلاتٍ
يسافرون فيها، فأي حساباتٍ ماليةٍ هذه التي سيجمدونها، وأي أموالٍ هذه التي سيضعون
أيديهم عليها ويصادرونها، وأي رحلاتٍ تلك التي سيضعون عليها أسماء المقاومين على
قوائم الترقب والمتابعة لانتظارهم واعتقالهم.
أم أن الولايات المتحدة
الأمريكية بقوائم وزارة خارجيتها تمهد الطريق أمام العدو الإسرائيلي ليقتل ويغتال،
ويشرع جرائمه ويبيح عدوانه، فهم يصدرون القوائم التي يسمونها إرهابية، ويعممونها
على الدول والحكومات، وأجهزة الأمن والمخابرات، ويطلبون منها التعاون معها وتنسيق
المعلومات مع مخابراتها، تحت طائلة المسائلة والعقاب، في الوقت الذي تصدر فيه
سلطات الاحتلال قوائمها السوداء، وتضع فيها أسماءً وصوراً، وتعلن أنها تنوي
اغتيالهم وتعمل على تصفيتهم، وتضع علامة إكس على من تتمكن من تصفيته، وعلامات
استفهامٍ على من تتوقع الوصول إليه والنيل منه، وتبدي فرحها حال نجاحها، ولا تخفي
تصميمها وإراداتها وعلى مواصلة مخططاتها، التي يباركها كيانهم، ويصادق عليها رئيس
حكومتهم، وينفذها وزير حربهم ورئيس استخباراتهم.
أصبح الفلسطينيون بسبب مقاومتهم ونتيجةً لصمودهم،
وعقاباً لهم على ثباتهم، أسماءً مطلوبةً وشخصياتٍ ملاحقةً بين قائمتين سوداويتين ظالمتين، تصدرهما دولتان عدوتان،
معتديتان عاتيتان قاتلتان مجرمتان، ظالمتان باغيتان، أولاهما الولايات المتحدة
الأمريكية، الراعية الأولى للإرهاب، والحاضنة لأكبر دوله، والداعمة لأعتى مجرميه،
وهي المتغطرسة بقوتها، والعاتية بجبروتها، والمعتدية بتفوقها، فتراها تصنع
المعايير التي تريد، وتضع المقاييس التي ترغب، وتصنف الأمم والشعوب وفق ما تريد
وترغب، وحسب مصالحها معها ومنافعها منها، وعلى أساس ودها لدولة العدوان الأكبر "إسرائيل"،
وقربها منها أو بعهدها عنها، ومعاداتها لها أو صداقتها معها، وحربها عليها أو
سكوتها عنها وسلامها معها.
تخطئ الولايات المتحدة
الأمريكية إذا ظنت أن قراراتها ستخيف المقاومة الفلسطينية وستردعها، وستدفع قادتها إلى الاختباء والانزواء،
والتراجع والانكفاء، والبحث عن الوسطاء والصفقات والحلول والمخارج، فهؤلاء لا
يتطلعون إلى كسبٍ تعرضه أمريكا أو يخافون من تهديدٍ تلوح به حكومة العدو، وهم
يعرفون أن الإدارة الأمريكية لن تتوقف عن إصدار قوائمها وتجديدها، وتهديد شعوبنا
والتلويح بالقوة ضد أمتنا، لكنها مقاومة لا تنكفئ ولا تنطفئ، ولا تخنع لهم ولا
تخضع لإرادتهم، ولعل من الأفضل لهم أن يطووا صحيفتهم، ويتوقفوا عن نشر قوائمهم،
لأنها بكل تأكيد لن تحقق مرادهم، ولن تلبي أغراضهم، وسيبقى المقاومون يتوالدون
تباعاً، وسيتعاور القادة المواقع والأمانات، حتى يتحقق النصر، ويبلج الفجر.
ولعلهم نسوا أن هؤلاء
الأبطال إنما هم أبناء هذا الشعب، وجزءٌ كريمٌ من نبات أرضه الأصيل وغرسه المبارك
ونسيجه الوطني العريق، وهم رعيلٌ من الأمة، وجيلٌ قد تسلم الراية ممن سبقهم، فلا
تخيفهم التهديدات، ولا تعنيهم القوائم والتعميمات، ولا تربكهم الملاحقات
والبيانات، فهم قد وطنوا أنفسهم على إحدى الحسنيين، إما النصر وإما الشهادة، ومن
كان قبلهم وسبقهم إلى الشهادة، قد علمهم أنهم في هذه الدنيا جنودٌ مقاومون، وحراسٌ
مخلصون، يدافعون عن وطنٍ، ويقاتلون عن حق، ويتطلعون إلى نصرٍ عتيدٍ أو إلى شهادةٍ
كريمةٍ.
بيروت
في 10/4/2017
---------------------------------------------------------
د. رأفت حمدونة
يستقبل الأسرى الفلسطينيون العيد في السجون الاسرائيلية
وهم يحملون أثقالاً متعددة ، ثقل الفراق لأحبتهم وأعز الناس على قلوبهم ، وثقل
الجرح الذى لم يجف بعد في أعقاب اضراب مفتوح عن الطعام استمر لواحد وأربعين يوماً
متتالية ، وثقل مماطلة إدارة مصلحة السجون الاسرائيلية في تلبية مطالبهم وتحقيق
الحياة الكريمة التى ضحوا من أجلها ، وثقل الأوضاع الفلسطينية والحالة الانقسامية
التى لم ولن يكونوا على شراكة بآثارها ونتائجها .
ويأتى العيد على الأسرى بالمزيد من التهديد والتجاهل
للمطالب والحقوق ، حيث المعاملة القاسية واللاإنسانية المخالفة لحقوق الانسان
وللاتفاقيات الدولية كالاستهتار الطبى والعزل الانفرادي والحرمان من الزيارات ،
ومنع ادخال الكتب ، وسوء الطعام كما ونوعا ، والتفتيشات العارية واقتحامات الغرف
ليلا ، والنقل الجماعى ، ووجود الأسرى والأسيرات فى أماكن اعتقال تفتقر لشروط
الحياة الانسانية .
ويحل العيد على الأسرى بمذاق مختلف بالبعد عن الأبناء
والآباء والزوجة ، فهو مناسبة مؤلمة ، قاسية على القلب ، ثقيلة على النفس ، يضطر
فيها الأسير لاستحضار شريط الذكريات، بما حمله من مشاهد ومحطات مختلفة ، يترجمها
الأسرى على صفحات من الورقعبر قصائد وخواطر ورسائل على أمل أن تصل لاحقاً إلى
أصحابها، أو قد لا تصل وتبقى حبراً على ورق، وقد تنهمر الدموع من عيون بعضهم حزناً
وألماً.
ويستقبل الأسرى العيد في السجون بفرحة ممزوجة بالألم
والحزن لفراق الأحبة ، والعيد في السجون مناسبة إسلامية سعيدة، لكنها ثقيلة
ومؤلمة، وتمر ساعاتها المعدودة وأيامها المحدودة ببطء شديد، والحياة والمشاعر فيها
مختلفة، فيضطر الأسرى لإحياء المناسبة بطقوس خاصة، حيث الاستيقاظ المبكر صبيحة
العيد، والاستحمام وارتداء أجمل الملابس، والخروج إلى الفورة (الساحة) لصلاة
العيد، ومن ثم يصطفون بشكل دائري في الفورة، ويسلِّمون على بعضهم بعضاً، ويتبادلون
التهاني، ويوزِّعون الحلوى وأحياناً التمر وفنجان القهوة، ويواسون بعضهم
بعضاً ، وتُلقى الكلمات والخطب القصيرة ، وفي كثير من الأحيان تمنع إدارة السجن
صلاة العيد بشكل جماعي في ساحة القسم، وترفض تخصيص زيارة للأهل ، أو الاتصال بهم
هاتفياً ، وفي أحيان أخرى تعمد إلى استفزاز الأسرى من خلال التنقلات أو التفتيشات
خلال أيام العيد.
والعيد مناسبة لا يحسّ بآلامها وقساوتها سوى من ذاق
مرارة السجن، وهناك المئات من بين آلاف الأسرى الفلسطينيين قد استقبلوا عشرات
الأعياد وهم في السجن، ومنهم من احتفل بالعيد مع أبنائه داخل السجن، ومنهم من
فقدوا الأمل وإلى الأبد في إحياء الأعياد مع آبائهم وأمهاتهم، لأنهم فقدوهم وهم في
السجن، وكثير منهم يتمنون أن لا يأتي عليهم العيد في مثل هكذا ظروف، خاصة أولئك
الأسرى الذين فقدوا أحد أعزائهم وأفراد أسرهم، أو أبويهم وهم بداخل السجن.
وهي مناسبة لا تقل ألماً بالنسبة لأهالي الأسرى، إذ تعيش
عائلاتهم وأطفالهم لحظات من الحزن على فراقهم حيث يستذكر الأطفال آبائهم، ويستحضر
الأهل سيرتهم وهو ما يجعلهم يشعرون بالحزن على فراقهم .
عائلات بات حُلمهم في العيد ليس التوجّه للأماكن العامة
والمتنزهات وقضاء ساعات جميله مع أبنائهم وأحبتهم وأحفادهم، ؛ وإنما انحصر حلمهم
في عودة أبنائهم الأسرى إلى أحضانهم ، أو أن يُسمح لهم بالتوافد إلى بوابات سجون
ومعتقلات الاحتلال لزيارتها ورؤية أبنائهم وأحبّتهم المحتجزين هناك ولو لدقائق
معدودة، في ظل تصاعد الهجمة الشرسة واتساع حجم الانتهاكات والجرائم بحقهم في سجون
الاحتلال الإسرائيلي.
وفي غمرة فرحتنا باستقبال العيد علينا وعلى الجميع أن
يتذكر بأن هناك في سجون للاحتلال لا يزال نحو ستة آلاف وخمسمائة أسير وأسيرة في
بطنها ، من بينهم أطفال ونساء وشيوخ ومرضى ، ونواب وأكاديميين وقيادات سياسية ،
ومعتقلين منذ أكثر من عشرين عاماً، بل ومنذ خمسة وعشرين عاما وما يزيد، وبينهم
كريم وماهر يونس المعتقلان منذ قرابة خمسة وثلاثين عاماً، وهؤلاء جميعا هم بحاجة
لفعلنا وجهدنا ونصرتنا دوما ... ففرحتنا تبقى منقوصة لطالما بقى أسير واحد في سجون
الاحتلال الإسرائيلي ، لأن العيد الحقيقي يوم أن يعود معتقلينا الى أهليهم
وعائلاتهم وشعبهم ، وعيدنا يوم عودتنا لديارنا وأرضنا باذن الله .
----------------------------------------------------------
متغيرات في مشهد الحراك
بقلم: عبدالحق الريكي
ما ينقصنا في المغرب هو تحليل الوقائع الطارئة وربطها بالماضي
والحاضر ومحاولة فهم ما يقع وما يمكن أن يقع... الدولة وأجهزتها الكثيرة يشتغلون
بدون شك بالأمر وذلك لتحديد ميزان القوى واتجاهات الفاعلين... وكان قادة الحراك
يقومون بالمثل حيث كان ناصر الزفزافي كل ليلة يبث فيديو لايف يتناول فيه آخر
التطورات على الساحة نقدا واقتراحا...
اليوم، هناك أحداثا سريعة ومهمة يمكن أن تؤثر في الحراك القائم وتغير
بعض معطياته وهي أحداثا لم تكن منتظرة البتة منها وفاة والد المعتقل المرتضى
اعمراشا وتفاعل المغاربة مع الحدث واتخاذ قرار تمكين ولده من حضور جنازته ومتابعته
في إطار السراح المؤقت وكذا خروج جنازة مهيبة تلتها مسيرة غير منتظرة تعامل معها
الجهاز الأمني بصرامة ولكن مع تفادي أي صدام واحتكاك في يوم رمضاني حار سمته
الرئيسية الحزن والغضب... دون إغفال دخول فاعلين سياسيين على الخط، كل واحد يحاول
التموقع في رقعة الشطرنج والاستعداد للمعارك القادمة...
نحن كمتتبعين للحراك، ليس من عين المكان، بل من خلال الفايسبوك
والمواقع الإلكترونية والجرائد الوطنية، تثيرنا أشياء تدفعنا ولو من بعيد للم خيوط
الحراك وفك ألغازه... يمكن أن نصيب ويمكن أن نخطئ لكن هاجسنا هو المساهمة فى
النقاش وطرح أسئلة وصياغة أجوبة إن أمكن.
قبل هذه الأحداث الجديدة كان المشهد يتسم ببعض السمات البارزة أساسها
اعتقال قادة الحراك وعدد لا يحصى من النشطاء وحملة ضغط قوية على الكثير من
الفاعلين مع محاولات حثيثة لإيقاف الاحتجاجات وتشتيتها وعزلها في أحياء بعينها
ومحاولة إنهاك الحراك في الحسيمة... التحرك كان صعبا في مثل هذه الظروف لكن ظهور
كل مرة ناشطين جدد وخروج المرأة للميدان جعلا لهيب الاحتجاجات لا ينقطع كل يوم من
أيام رمضان... بدأت المحاكمات والأحكام الجائرة وتكتل عائلات المعتقلين المرحلين
إلى الدارالبيضاء واستعداد المحامين للمحاكمات... دون إغفال التضامن الواسع في كل
بلدات الوطن والمسيرة الوطنية الكبيرة في الرباط... وأيضا محاولات البعض اتخاذ
مبادرات وتنظيم مناظرات ودخول فعاليات حقوقية على الخط... كل هذا كان يقع في ظل
هيمنة المقاربة الأمنية على كل حل سياسي واستمرارها في التصعيد دون أدنى ضمانة
لنجاعتها خاصة أن الحراك رغم محاولات احتوائه في الحسيمة كان قويا في قرى الإقليم
والعديد من المدن، وحتى الحسيمة اهتدت إلى تكتيك شل حركة رجال الأمن من خلال
الطنطنة الليلية في السطوح والاستعداد لمسيرة كبرى يوم العيد للمطالبة بإطلاق سراح
كل المعتقلين...
وجاء حدث الموت المفاجئ لأب المعتقل المرتضى اعمراشا الذي اعتُقل
مؤخرا وقدم لسلا وليس الدارالبيضاء لمحاكمته بقانون الإرهاب... هذا الموت حرك في
ساعة واحدة كل المغرب حيث عم الحزن والغضب كل الأرجاء وكان علامة فارقة على تحول
الصراع من حراك "ريفي-مخزني" إلى حراك "مغربي-مخزني"، وهذا
المعطى كان من ضمن ثوابت المقاربة الأمنية منذ البداية في اتجاه حصر الحراك في
رقعة ضيقة تتجسد في الحسيمة وقرى الإقليم مع خطوط حمراء لكي لا يمتد لما يسمى
الريف الكبير (الناظور، تطوان وطنجة) وبطبيعة الحال كل المغرب... في هذا الإطار
يمكن فهم تحرك الآلة الإعلامية لوصف ما يقع في الريف خاصية محلية وليست عامة تتحكم
فيها أجندات الانفصال والتمويل الخارجي... قلنا، بدأ تيرموميتر الفايسبوك في
الصعود مما جعل الدوائر الأمنية والسلطوية تتسرع باتخاذ قرار غير منتظر في ظرف
وجيز ألا وهو إطلاق سراح المرتضى اعمراشا لحضور جنازة أبيه وتحويل هذا القرار إلى
سراح مؤقت...
في المغرب نفتقد معطيات عن طرق اتخاذ مثل هذه القرارات المهمة
وحيثياتها، لكن لن نخطئ الظن إن قلنا أن سرعة القرار علامة على توتر اجتماعي حقيقي
وعن احتقان كبير في الريف، كما يُعد جوابا على عجز المقاربة الأمنية في الوصول إلى
أهدافها وبداية تشكيك البعض في نجاعتها... المعطى الثاني هو استعداد الأهل
بالحسيمة والريف للنزول للشارع لتوديع الفقيد إلى مثواه الأخير مهما كان الثمن...
هنا، أيضا، كان موقف الجهات النافذة هو السماح لمرور الجنازة دون مضايقات... فكانت
الجنازة مهيبة وعلامة أخرى على محدودية المقاربة الأمنية التي استطاعت اعتقال
وتخويف وقمع النشطاء دون أن تغير من غضب وحزن وصمود وثبات الساكنة في الريف...
وكما هو معروف فإن الجهات المتحكمة في القرار تأخذ دائما بيد ما تمنحه بيد أخرى...
هكذا وعند انتهاء مراسيم الجنازة وخروج الشباب من المقبرة بمسيرة احتجاجية، خرجت
الأجهزة الأمنية لتطويقها وتكسير حركتها وتشتيتها حتى لا تصل موحدة وقوية لوسط
مدينة الحسيمة متفادية أي احتكاك مع الناشطين... هذا المعطى يمكن ترجمته كميساج
للسلطة كونها يمكن أن تقدُم على بعض الخطوات في حدود وأيضا كميساج للنشطاء كون
مسيرة يوم العيد لن تكون نزهة لمن يريد المساهمة فيها...
ساعات قليلة قبل فجر يوم الجمعة 23 يونيو 2017، كانت حبلى
بتحركات أحزاب المعارضة والأغلبية والحكومة بدخولها على خط تبنيها المساهمة في
قرار إطلاق سراح المرتضى، هناك بطبيعة الحال تنافس ما بين الأحزاب ومحاولات اختراق
الحراك والتموقع في بقعة الشطرنج تحسبا لمعارك قادمة... هنا أيضا يمكن استنتاج
معطيين، من جهة العمل على تفادي بروز ثنائية الدولة وقادة الحراك، ومن جهة أخرى
إحياء دور الوسطاء المؤسساتيين ومنحهم أدوارا في كل تفاوض قادم، وأخيرا فتح بابا للمقاربة
السياسية نظرا لمحدودية المقاربة الأمنية...
ختاما، الموت المفاجئ لأب المعتقل المرتضى اعمراشا، أعاد عقارب
الساعة إلى الوراء وأبان عن محدودية المقاربة الأمنية وعن احتقان الوضع الاجتماعي
في المغرب وخاصة في الحسيمة والريف واستمرار صمود الأهل في الريف ودخول الحراك
شهره العاشر في فصل صيف يعرف توافد الدياسبورا، هذه الأخيرة التي أصبحت من خلال
تحركاتها في أهم العواصم الأوروبية معادلة جديدة في الصراع تقض مضاجع السلطات
السياسية والأمنية...
كيف ستتطور الأمور في الساعات والأيام القادمة خاصة مع شروع الشباب
والشابات والأهل من جعل عيد الفطر موعدا احتجاجيا فريدا في تاريخ المغرب المستقل
وهل سنعيش حدثا استثنائيا في الساعات القادمة تتجلى في منح السراح للشباب
المعتقلين كما وقع مع الناشط المرتضى اعمراشا ومن تم سيتم انفراج في الوضع وتأجيل
لمسيرة العيد وانتظار فعل ورد فعل القادة وعائلاتهم والشباب والشابات والأهل في
الحسيمة والريف وكل الوطن....
أسئلة كثيرة نطرحها للنقاش ليس إلا، عارفين مسبقا عن محدودية
المعطيات وتناول بعضها وإغفال أكثرها... طرحنا علنا ما نفكر فيه بكل نزاهة
وموضوعية، هدفنا محاولة فهم واقعنا والتفاعل معه لما فيه خير البلاد والعباد...
تاركين لكم ولكن حرية النقد والنقد الهادف والبناء... لا نريد أجرا ولا جزاء...
سوى المنفعة العامة...
عبدالحق الريكي
الرباط، 23 يونيو 2017
ثورة الابتسامة...
بقلم: عبدالحق الريكي
قال
لي: "أنتَ قاربت الستين من عمرك، وورائك مسيرة عمر من النضال، وكل مرة تقول
أنك تلميذ الحراك وتتعلم منه؟ بالله عليك أفصحْ يا هذا، إني حيران... ماذا
تعلمت؟؟"
قلتُ:
"أتدري يا صديقي أنني تعلمت أقصى درجات الوعي مع الشباب والشابات والأهل...
إنهم ينحتون على الصخر مواطنة من نوع جديد... أتدري ما معناه:
أن
يتم اعتقالُك وتبتسم
أن
يتم اختطافُك فتبتسم
أن
يتم استدعائُك للمخفر وتبتسم
أن
يتم ضربُك وتبتسم
أن
يستجوبُونك و ترد "بيك يا ولدي" وتبتسم
أن
تصدر في حقِّك عقوبات قاسية وتبتسم
أن
يرفُضوا البحث عن غريق وتبتسم
أن
يموت الأب ب"الفقصة" وتبتسم
أن
يُقال لك "أوباش" وتبتسم
أن
يُقال لك "ولاد السبنيول" وتبتسم
أن
يُقال لك انفصالي وتبتسم
أن
يُقال لك "تمويل أجنبي" وتبتسم
أن
تَعرف أنك قد تموت في الحراك فتبتسم
أن
تَعرف أنا أخا وأختا قد يُصيبهم مكروها فتبتسم
نعم
تبتسم في وجه رجل الأمن
نعم
تبتسم في وجه رجل القضاء
نعم
تبتسم في وجه رجل السياسة ("ما عندي بو الوقت دابا")
نعم
تبتسم في وجه رجل الإعلام
نعم
تبتسم في وجه الدولة
لسبب
بسيط، كونُك قررت تغيير نفسك وتغيير الآخر
لسبب
بسيط، كونُك قررت إعطاء دروس في الوطنية لك وله
لسبب
بسيط، كونُك لا تبحث عن الغلبة لكي لا تصبح مثله
لسبب
بسيط، كونُك تريد وطنا يحتضن الجميع
لسبب
بسيط، كونُك تدري أن العنف لا يولد إلا العنف
لسبب
بسيط، كونُك تدري أن الكراهية لا تولد إلا الكراهية
أنتَ
تريد وطنا خال من العنف والخوف والكراهية
أنتَ
تريد وطن المحبة والأخوة والعمل والفلاح
لتحقيق
كل هذا كان وعيكم يا شباب وشابات الحراك ثاقب، يختصر البرنامج في الكلمة السحرية:
"السلمية"، مهما، أقول مهما، وقع من آلام وفراق وحزن وغضب...
انظروا
النتيجة : تسعة أشهر والحراك في الحسيمة والريف والمغرب مستمر لأنه اختار
السلمية...
السلمية
منهاج وبرنامج وفلسفة وعقيدة، تتطلب وعيا ثاقبا، للتشبث بطريقها... لأن الأسهل هو
أخذ الحجارة، هو مواجهة الأمن، هو تفريغ الحقد والحزن في الآخر... الأصعب هو مد
"خدك الأيمن إذا ضربوك في الخد الأيسر"، وأنت تبتسم وتنظر بعينيك في
عيني من يضربك... هذا ما تعلَّمته
من الحراك وشباب وشابات الحراك...
هو
امتحان صعب للنفس لأننا في مجتمع تعوَّد الرد الصفعة صفعتين وخاصة بالريف...
ولكي
تأتي السلمية من الريف فهو انتصار على الذات وعلى الآخر... هو بداية مواطنة جديدة
ومغرب حر جديد...
هذا
تعلمته واقتنعتُ به بعد مخاض داخلي كبير، واليوم أصبحتُ أكبر المدافعين عن منهج
السلمية والثبات...
إن
استطاع الشباب والشابات الاستمرار في سلميتهم فسيأتي الناس من كل فج عميق ليعززوا
صفوفهم...
أما
أنا فأخذت دروسهم بجد وأصبحت أبتسم في وجه من يريد بي سوءا... وأشرح وأشارك وأكتب
لكي يفهم كل مخالف للحراك أنه في الطريق الخاطئ وأنه لا محالة عليه الانضمام إلى
صف السلمية في معالجة كل الخلافات والصراعات والنزاعات...
نعم
وألف نعم: "سلمية، سلمية... لا حجرة، لا جنوية"... سلمية، سلمية... رغم الحزن والغضب من
اليوم الأسود، يوم عيد الفطر، يوما دخل تاريخ انتهاك أبسط حقوق الإنسان بالحسيمة
والريف والمغرب من بابه الواسع... يوم حزين في كل الوطن... و به وجب التذكير.
عبدالحق الريكي
الرباط،
الإثنين 26 يونيو 2017
____________________________________________________________
الفساد أشد
من الخيانة
يظنّ البعض بأنهم "فوق القانون"، و
"أعلى" من قوانين المسائلة، وأنهم في "مأمن" من العقاب، على
رغم فسادهم البيّن .. الوطني الحقيقي لا يتغاضى عن فساد أولئك، وإن فعل ذلك فكل
نضالاته وتضحياته السابقة لن يكون لها معنى، لأن كل قطرة دم وعرق سالت من أجل
الوطن ستجف بفعل ظلم وفساد الخوَن.
الخيانة
هو وصف يطلق على من هو محسوب من أهل بلد معين يعمل ضده لصالح جهة خارجية تريد
الضرر والشر بدولته وتريد أن تستولي على مقدراتها وذلك في مقابل مادي لصالح
الخائن، أما الفساد فهو يمثل الخيانة الكاملة لأنه يتضمن ما سبق ولكن بدون مقابل
لأي جهة خارجية، وإنما الفاسد يقوم بخيانة الشعب وبأموال الشعب.
الفساد
إخطبوط جاثم على أنفاس الوطن.. الفساد شجرة الخيانة وعنوانها ، فإذا لم يتبق لك سوى خيار واحد يتمثل إما بقتل
الفاسد أو الخائن.. اقتل الفاسد واترك الخائن لأن الخيانة تموت بانهزام الأعداء
ولكن الفساد هو العدو الدائم الذي ينتشر و لا يموت.
صدق عبد
الله القصيمي بقوله أن : "أكثر الشعوب المتحضرة تنتقد نفسها وأشيائها ، أما
الشعوب العربية فإنها لا ترى فرقاً بين النقد والخيانة"، فبمجرد أن تحارب
الفساد ولصوص الكبار للبلد تُلصق بك تهمة الخيانة وزرع الفتنة و يُصان الفاسد
ويُكرم. إن هذا يبرر لماذا تأتي الدول العربية في خانة
الأكثر دول فساداً بحسب تقارير منظمة الشفافية العالمية الأخيرة.قد يولد المرء مع
الكثير من الصفات السيئة، إلا الفساد والخيانة فهي ثقافة يتشربها من البيئة
المحيطة به. وللأسف فقد أصبح الفساد ثقافة لدى بعض الأوساط في بلادنا، وهذه
الثقافة تغذي الخيانة وتمثل شريان حياة وأساس كل نوع من أنواع الخيانة.اليأس و
الصمت وغض البصر عن الفساد يعني التوقيع على اتفاقية الخيانة، وعليه نقول أن جهاد
الظلم والفساد يجب أن يكون مُقدم على جهاد الخيانة لأن انتشار الفساد انتصار
للأعداء، و محاربة الفساد واقتلاعه أفضل وفاء لصمود الشعب الفلسطيني البطل الذي
ثبت كيانيته ووجوده رغم كل الضربات والنكبات والنكسات المتوالية عليه.يقول عباس
محمود العقاد أن " الأمة التي تُحسن أن تجهر بالحق وتجترئ على الباطل تمتنع
فيها أسباب الفساد". فلنجاهر بالحق ونتجرأ على الباطل، فمن حقنا أن نحلم
بمستقبل أفضل وحياة خالية من الفساد والقمع والظلم .القضايا التي تهمنا اليوم يحب
أن تصب مباشرة في خانة محاربة الفساد والظلم والخيانة، وتدفع بنا إلى مصاف الدول
التي لا تزايد على قيمها، وأعتقد أن شعب قدم كل هذه النضالات
والتضحيات في سبيل ترسيخ هويته، لا يمكن أن
يسكت ويغض البصر عن الفاسدين الذي يحملون هويته ، وكما يقول شاعرنا الراحل الكبير
توفيق زياد " أول الغيث دم ثم الربيع".
فادي قدري أبو بكر
كاتب وباحث فلسطيني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق